بوابة النخب والباحثين - المعرفة للجميع

الكتاب

كتاب / الفايروس كورونا وتأثيره السلبي على الاقتصاد الغربي

كتاب / الفايروس كورونا وتأثيره السلبي على الاقتصاد الغربي

المؤلف :  محمد كاظم الاعسم
عدد الأجزاء :  2
الموضوع :  الاستشراق
الناشر : 
سنة النشر : 
الطبعة : 
ملفات الكتاب : 

تحميل الجزء الأول عدد الصفحات : 50

تحميل الجزء الثاني عدد الصفحات : 62

الامبريالي لقوةٍ ﭐمبرياليةٍ محددةٍ في وجه منتقديها في الداخل وأعدائها في الخارج».[1] ولم تكن الدعاية لهذا المشروع الضخم للكشف عن نبله وتنوير الرأي العام حول حتميته فحسب، بل بهدف السيطرة على الرأي العام خوفًا من ﭐنتقاد الإمبريالية وتبخيس غاياتها. لا يمكن بحال من الأحوال تتبّع آثار الإمبريالية في هذا المقام، فهي هائلةٌ ومتعددةٌ، حينيةٌ ومؤجلةٌ. فالامبريالية فعلت فَعْلَتها في الأفراد والجماعات والأعراق، وغيّرت مجرى الماضي والحاضر والمستقبل لكثيرٍ من الشعوب، كما أنّها لا تزال عائقًا مرهقًا في وجه التنمية في كثيرٍ من البلدان. وقد كان مهندسو الإمبريالية في الإمبراطوريات الأوربية على وعيٍ تامٍّ بالعواقب الوخيمة للعنف الامبريالي، والضغوط الدبلوماسية، والغزو العسكري ومن ثَمّ الاحتلال، لكنهم تغاضوا عن كل ذلك في سبيل تحقيق المنافع الاقتصادية والسياسية والثقافية المسطرة. كانت القوى الأوروبية في حاجة إلى تبرير غزوها لإفريقيا، خاصةً في وقتٍ كانت تشهد فيه إفريقيا ثورةً حداثيةً، وكان الأفارقة يتمتعون بالسيطرة الكاملة على بلدانهم. صحيحٌ أنّه كانت تحدث مشاكلُ، وأزماتٌ ﭐجتماعيةٌ كانت على وشك أن تندلع، لكنها كانت مشاكلُ وأزماتٌ يمكن حلّها دون تدخُّلٍ خارجيٍّ. ففي كتابه ’وجهاتُ نظرٍ أفريقيةٌ حول الإمبريالية الأوروبية‘، يُصرّ الكاتب الغاني ألبرت أدو بواهن على فجائية الغزو الأوروبي لإفريقيا وعشوائيته. فبذكر العديد من الأمثلة لبلدانٍ إفريقيةٍ كانت تحاول تحديث أسلوب حياتها بحسب قدراتها وإمكاناتها، يُكذِّب بواهن مزاعم الأوروبيين بأن غزوهم كان من أجل تمدين الأفارقة وحسب: «إن الجوانب الأكثر إثارةً للدهشة في ﭐحتلال إفريقيا هي الفجائية والعشوائية. حتى وقتٍ متأخِّرٍ من عام 1880، لم تكن هناك دلائلُ حقيقيةٌ أو مؤشراتٌ على هذا الحدث الهائل والكارثي. على العكس من ذلك، فالأغلبية الساحقة من الدول والأنظمة السياسية الحاكمة في إفريقيا كانت تتمتع بسيادتها، وكان قادتها يتحكّمون في شؤونهم ومصائرهم».[2] لذلك ﭐحتاجت الإمبراطوريات إلى شرعنة أطماعها بمساعدةٍ من المؤسسات والأفراد على السواء. فبينما بلغت الأبحاث الإمبريالية ذروتها في نهاية يُعدُّ التمثيل المرئيّ واحدًا من أنجع الوسائل التي ساهمت في بناء فرنسا الإمبريالية في شمال إفريقيا. فقد ﭐستُعمِلَ التصوير الفوتوغرافي والصحافة المصورة بشكلٍ فعّالٍ في خطاب الاحتلال الفرنسي لتوصيل صورةٍ سلبيةٍ حول المغرب وتسهيل إقامة نظام الحماية ومهمة «التنوير الثقافي» المزعوم، ومِن ثَمّ رهن مستقبل المغرب في مرحلة ما بعد الاستقلال بالتحكّمات الفرنسية الاقتصادية والثقافية واللغوية. ويتناول هذا المقال بالدرس والتحليل بعض الصور المتضمَّنة في الجريدة الفرنسية «الجريدة الصغيرة المصورة» للكشف عن مدى ﭐرتباطها بأجندة الاحتلال الفرنسي والتزامها بأهدافها. وهذه القراءة النقدية للصور الفوتوغرافية في «الجريدة الصغيرة المصورة»وﭐرتباطها بمشاكل المغرب وثقافته في الفترة الممتدة من 1907 إلي 1956 لا تهدف إلى توضيح الفكرة الأساسية أنّ التصوير الفوتوغرافي وسيلةٌ من وسائل الأجندة الإمبريالية الفرنسية وحسب، بل وتسعى إلى تسليط الضوء حول كيفية عمل الإيديولوجيا في وسائل التمثيل المرئية، وكيف يتم التلاعب بها لاستصدار أحكامٍ تبدو طبيعيةً حول الآخر وثقافته. الكلمات المفاتيح: التمثيل المرئي. الاستعمار. التصوير الفوتوغرافي. الصحافة المصورة. مقدمة: تُعدُّ الإمبريالية الأوروبية واحدةً من أضخم مشاريع القرن العشرين إن لم تكن أضخمها على الإطلاق، نظرًا لما جنته القوى الكبرى منها من مكاسبَ ﭐقتصاديةٍ وﭐجتماعيةٍ وسياسيةٍ وثقافيةٍ وفيرةٍ. وأعتقد جازمًا أنّه لولا البروباغاندا أو الدعاية لَمَا حقّق هذا المشروع مبتغاه. والدعاية لم تكن من وظيفة الأفراد وحسب، بل والمؤسسات الإعلامية التي ضمت مزيجًا متطوِّرًا من الإستراتيجيبن، وعلماء الأنثروبولوجيا، والإنثوغرافيا ورجال الصحافة والإعلاميين والمصورين. ولم يكن يُتَوقّع للإمبريالية أن تُسْتَقْبَلَ بهدوءٍ لأنّ نواياها لم تكن بريئةً. ومن ثم، كانت مبرراتها محبوكة بعناية فائقة. يقول بيتر دوﻳﻨﮕان ولويس ﮔان (1973) بأنه «تم تسخير قدرٍ كبيرٍ من الموارد لأغراضٍ دعائيةٍ معلنةٍ لتمجيد التوسع الامبريالي أو للدفاع عن السجل القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان لا بد أن يصاحب ذلك إقناعٌ إيديولوجيٌّ يؤسس لجدوى هاته الأبحاث. سأحاول في هذا المقال الكشف عن مشاركة الصحيفة الصغيرة المصورة في تلميع صورة فرنسا في كلٍّ من أوروبا وإفريقيا، وﭐدّعاء التفوق الثقافي الفرنسي، وتأسيس وتوسيع مفهوم ’الآخر‘، وكذلك في توحيد الرأي العام الفرنسي حول المغرب. كانت الدعاية الإمبريالية في فرنسا الأكثر قراءةً. كانت صحيفة الجمهورية، وصحيفة البرقية الجديدة، وبرقية الاحتلال، وصحيفة لو فيغارو، وصحيفة العهد الجديد، وصحيفة بريد الاحتلال، وصحيفةالاقتصادي المحتل، وصحيفة حوليات الاحتلال، وصحيفة الباريسي الصغير[3]، وغيرها من الدوريات المحلية والمتخصصة تقوم بتغطيةٍ واسعةٍ لجلّ ما كان يجري في المستعمرات. وهذا يكشف أهمية الدعاية في المشروع الامبريالي الفرنسي، حيث بدأ الاعتماد بشكلٍ أساسيٍّ على الصور المنقوشة، ولاحقًا على الصور الفوتوغرافية كوسيلةٍ جديدةٍ للإقناع، لأنها ﭐستحقت «هالةً كاملةً من المصداقية»[4] كما يقول ديفيد ليفي ستراوس. لقد عرف الناس بالفعل لغة الصحافة، وعادةً ما كانوا يفهمون الحقائق التي تريد الصحافة نشرها. لكن التصوير الفوتوغرافي كان جديدًا على القارئ، ولأن «لَحْظَهُ أصدق من لَفْظِه»[5]، فالأخبار المصورة كان من السهل عادةً فهمها وتصديقها، وكان هذا بالطبع في صالح الأحزاب السياسية والاجتماعية والدينية وجماعات الضغط. لم تكن القصاصات من داخل أوروبا أكثر إثارةً من تلك القادمة من المستعمرات في آسيا وأمريكا وأفريقيا. كان الناس في أوربا يتطفلون لمعرفة المزيد عن سكان المستعمرات الأصليين فأشبعت الصور الفوتوغرافية هذا الفضول. يصف جولي كوديل هذا الفضول قائلا: إن »الدوريات ﭐستجابت لهوسٍ ﭐمبرياليٍّ بصور فن السكان الأصليين، وصور أجسامهم ومعمارهم ومآثرهم، من أجل إرضاء الفضول لدى القرّاء وتأكيد مفاهيمهم الخاصة بهوياتهم وهويات الآخرين».[6] في فرنسا، تدفقت آلاف الصور من المستعمرات في وقت كانت فيه نظريات التاريخ الطبيعي -خصوصًا نظرية التطور لشارلز داروين- تؤسس لأفضلية الجنس الأوربي على سائر أجناس الأرض كلها. لقد أصبحت نظرية داروين تفسيرًا عمليًّا لفكرة التطور، وبالتالي عزّزت تصورات الرأي العام حول جدارة أوربا لاستعمار المناطق ’المتخلفة‘. تقول إليزابيث إزرا: «أُغْرِقت فرنسا بين الحربين العالميتين بالكتب والأفلام والإعلانات والمعارض حول إفريقيا جنوب الصحراء والمغرب العربي وجنوب شرق آسيا وجزر الهند الغربية، لا بغرض التأكيد على الغرابة وتمايز ’الآخر‘، بل يتجاوزه إلى تمثيل الفرق الثقافي الاستعماري من الناحية السياسية على وجه التحديد، تأكيدًا على قوة فرنسا العسكرية ومكانتها كقوةٍ عالميةٍ».[7] 1. الصور النمطية المتوارثة تُعدُّ الصحيفة الصغيرة المصورة، والتي كانت ملحقةً للصحيفة الصغبرة، واحدةً من وسائل الاعلام التي ساهمت في بناء صورةٍ كاذبةٍ حول المغرب في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. والصحيفة الصغيرة هي واحدةٌ من أقدم الصحف في فرنسا، وﭐمتدّ نشرها في باريس في الفترة ما بين 1863 إلى 1944. وقد أسسها الصحافي الفرنسي، المصرفي ورجل الأعمال، موسى بوليدور ميلو (1813-1871)، وكانت صحيفةً شعبيةً جدًّا، حيث بلغت أوجها في الثمانينيات من القرن التاسع العشر، وباعت أكثر من مليون نسخة، بما فيها الملحق المصور. كانت الأحداث البارزة في أوروبا وفي المستعمرات دائما ما تحتل الصفحة الأولى في الصحيفة الصغيرة المصورة حتى تزداد شعبيتها وتتأكد هيمنتها على المجال الصحفي. وفي المغرب، وضعت الصحيفة عينها على الأحداث اليومية وﭐستغلتها لشرعنة الأطماع الفرنسية الامبريالية. ومن أبرز الأحداث التي ربطت الصحيفة بالمغرب هو قتل الطبيب الفرنسي إميل موشون المثير للجدل. ولد موشون سنة 1870 في مدينة شالون-سور-ساوون الفرنسية، ويعتبر واحدًا من الأطباء الفرنسيين الذين تركوا بصمةً في المغرب. تابع موشون دراسته الطبية في باريس وكرّس كلّ وقته لعمله فاستحقّ بذلك وسام الخدمة العامّة. تناولت أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه موضوع الرضاع الاصطناعي وحصلت على جائزتين من الكلية. كما رُشِّحَ كطبيبٍ مساعدٍ في قوات الاحتياط العسكرية الفرنسية في عام 1899. وقد دفعه حبه للسفر للانضمام لأطباء البحرية.وبما أن موشون أجرى عددًا من الدراسات حول الطاعون الذي ﭐجتاح البرتغال والبرازيل آنذاك وحول حمى التيفوس في اليونان، عينته وزارة الشؤون الفرنسية لشغل منصب طبيب في مستشفى سانت لويس في القدس حيث مكث من عام 1900 إلى عام 1905. هناك كرّس موشون كل وقته لدراسة أمراضٍ أخرى مثل الجدري والطاعون والكوليرا.